الاثنين، 15 مارس 2021

الممارسات السلبية التي تؤدي إلى تناقص أو انقراض بعض الأنواع النباتية أو الحيوانية

 

بقلم: منيرة صالح

يعاني الأردن مع مرور الزمن من مشكلة زحف التصحر، وبالتالي انقراض أنواع مهمة من السلالات النباتية وفصائل الحيوان المختلفة، حتى أنك إن زرت أحد الأمكنة  الوارفة الظلال والمليئة بأنواع الطيور ، ثم عدت إليه بعد مضي بضع سنوات تجده في حالة أخرى تنكرها عيناك، حتى لتظن أنك قد أخطأت المكان، فتلوم ذاكرتك، ثم لا تلبث أن تشهق تأسفًا على ما حدث لتلك الجنة، وقد زحف عليها التصحر، وغابت عنها رفرفة الطيور، وزقزقتها، ولا تكاد تجد غصنًا تتفيأ تحته من لهيب الشمس الحارقة، فتغادر آسفًا بحًثًا عن مكان  أخضر ينسيك ما فُجعت به من المنظر السابق.

ولعلك أن أعملت بصيرتك بحثًا في الأسباب التي تهدد المساحات الخضراء في بلدك، وتحولها في بضع سنين من جنَّة وارفة الظلال إلى صحراء قاحلة، ستجد أن الأسباب تكاد تنحصر بسبب واحد هو "الانحباس الحراري" الذي ينتج بدوره عن مجموعة عوامل متعددة، والمتسبب الأصلي بهذه العوامل وتأثيرها المباشر على الطبيعة هو الإنسان. 

  الزيادة السكانية وعدد المواليد لهما تأثيرهما المباشر على استخدام الأرض لغير غايتها، واستبدال الغابات الطبيعية الخضراء بالغابات الاسمنتية، كي تستوعب المزيد من العائلات والأعداد المتزايدة من البشر. وهكذا إن امتداد العمران يقضي على المساحات الخضراء شيئًا فشيئًا مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، وفقدان المعدل المطري المعتاد.

وقد بينت الساعة السكانية التابعة لدائرة الإحصاءات العامة أنَّ عدد سكان الأردن بلغ في بداية العام 2020 نحو ما يزيد عن عشرة ملايين نسمة.  مقابل تسعة ملايين نسمة في عام 2015. بزيادة قدرها مليون نسمة تقريبا.

 تقابل مشكلة تزايد عدد السكان، مشكلة الرعي الجائر، الذي يقضي على الأشجار في الغابات المتبقية، والناجية من الاقتلاع، ولعل الرعي الجائر والعشوائي من المسببات التي يجب أن تجابه بكل الطرق، ومن خلال إيجاد بدائل مناسبة للرعي، كي نحافظ من جهة على الثروة الحيوانية، ونحافظ من جهة أخرى على الغطاء النباتي منعًا للاحتباس الحراري، والمثل العربي يقول (لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم).

ومن الأسباب البشرية الأخرى التي تجعل الاحتباس الحراري مؤثرًا جدًا على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي هو الاحتطاب الجائر، الذي يُعد عدوًا للطبيعة وتقضي مناشير تجار الحطب في المملكة على مجموعات كبيرة من الأشجار النادرة والمعمَّرة، مما يشكل خسارة بيئية وجمالية؛ مثل أشجار الصنوبر، والزيتون الرومي، وغيرها من أنواع الأشجار التي تشكل تراثًا بيئيا له جماله الخاص، وأهميته التي لا ينكرها أحد.

وتعتبر الحرائق التي تنقسم إلى نوعين؛ حرائق صناعية(بشرية) واخرى طبيعية مسببًا إضافيًا للاحتباس الحراري؛ ومن هذه الأسباب ذات العوامل البشرية  حرائق الغابات التي يفتعلها البعض من  أجل الاستفادة من الأرض بطرق شتى معروفة لديهم، وكذلك حرائق الغابات الناتجة عن إهمال المتنزهين من خلال التدخين وترك نيران التنزه مشتعلة بعد مغادرتهم، والتي تشكل خسارة سنوية مستمرة للغطاء النباتي والتنوع الحيوي البيئي. وهذه العوامل هي عوامل صناعية تسبب بها الإنسان.

وأما الحرائق الطبيعية فهي حرائق غابات ناتجة عن التغيرات المناخية، وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة صيفًا، وتفريغ الشحنات الكهربائية بين الغيوم. هذه أيضا لها أثرها المدمر على البيئة. ولكن تأثير هذه الحرائق التي تنتمي للأسباب الطبيعية أقل من تأثير الحرائق التي تحدث بسبب عوامل صناعية ومتعمدة في أغلبها.

 ولكن نتائج الحرائق تعتبر المسببات الرئيسة في الاحتباس الحراري، فالحرائق تغير من حيوية التربة، وتقتل العديد من الكائنات الدقيقة والحشرات، التي بوجودها تحقق الأرض التوازن الحيوي مما يؤثر على تماسك التربة، ويزيد من حامضيتها.

كذلك تقضي الحرائق على الغطاء النباتي من أعشاب وكثافة شجرية مما يؤثر أيضًا على مناخ الغابات، ويغير حركة الهواء ويزيد من درجات الحرارة وبالتالي تقل الأمطار. وتنعدم تبعا لذلك المساحات الخضراء.

إن لأكوام النفايات التي تتراكم لأوقات طويلة تحت الشجر وما تحتويه هذه النفايات من مواد عضوية وغير عضوية، بعضها نفايات منزلية يلقيها المتنزهون دون إدراك لأثرها الكارثي على الطبيعة، وبعضها نفايات صناعية وطبية تحتوي هذه المخلفات على مواد كيماوية سامة، وسواء تم حرقها أو القائها فهي تتسبب بالتلوث للماء والهواء. وبمجرد القاء هذه النفايات وتركها فإن كمية قليلة من الهواء تبقى بينها وبين سطح التربة، ثم يتولد غاز دفيء كي تتحلل هذه النفايات، فينطلق غاز ضار يتسبب بالاحتباس الحراري.

 ولا ننسى الأثر البيئي الضار للغبار المنبعث من الغازات الناتجة عن عوادم المركبات، تلك المركبات التي تستخدم وقود الديزل، وهذه العوادم تتكون بسبب الاحتراق الجزئي للوقود الذي يحتوي على الكبريت، والعوادم المتكونة هي: غاز أول أكسيد الكربون، وغاز ثاني أكسيد الكربون، واكسيد النيتروجين، وجزيئات الرصاص السامة في تلوث الهواء. وقد أطلق أحد الصحافيين في تقريره حول عوادم السيارات اسم (القاتل المحترف للإنسان). ولكن هذه العوادم في الواقع تقتل الإنسان مرتين في الأولى تهيِّج جهازه التنفسي وتتلف الرئة وفي الثانية تتسبب في الأمطار الحمضية، التي لها أثار سلبية كبيرة على البيئة البرية والبحرية وبالتالي صحة الإنسان وحياته. ولتوضيح تأثير الأمطار الحمضية على الغابات أنها تؤثر بشكل ما على حالة التربة وبالتالي إنتاجية الأشجار.

 ولبعض الأنشطة الصناعية أثر في زيادة الاحتباس الحراري، ومن ثم التسبب بالتصحر. ومن مثل هذه لأنشطة؛ تصنيع الفحم بطرق بدائية من خلال حرقها مباشرة. وكذلك يمر على الأرض كل يوم بازدياد زيادة في كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من المصانع، والتي تؤدي بدورها إلى حفظ الحرارة في الغلاف الجوي، ومن ثم عدم وصول هواء بارد نقي للأرض والمزروعات مما يتسبب بفنائها.

 ويوضح موقع " موضوع" أن من الأسباب الأخرى غير المتوقعة في زيادة نسبة الاحتباس الحراري هو استخدام الاسمدة المصنعة في الزراعة، وزراعة الأرز. هذه العوامل تؤدي إلى زيادة غاز الميثان.

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة أن تربية الحيوانات تتسبب أيضا في الاحتباس الحراري إذا تمت إزالة الغابات من أجل توفير مراع لتلك الماشية.

وعودة للصناعات ودخان المصانع فإن تصنيع مادة الإسمنت لها الأثر المدمر أيضا والمتسبب بالاحتباس الحراري، لما يتم استخدامه من وقود أحفوري وعناصر أخرى مثل كربونات الكالسيوم في زيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو وبالتالي تأكيد حصول الاحتباس الحراري ونتائجه المروعة.

وعودة لموقع " موضوع " فهو يذكر أن هناك أسبابًا أخرى تتسبب في الاحتباس الحراري بشكل أو بآخر ويدرجها تحت عنوان أسباب طبيعية لحدوث الاحتباس الحراري وهي من خلال انبعاث غاز الميثان:

-         النمل الأبيض خلال عمليات الهضم.

-         عملية الاجترار التي تقوم بها الحيوانات المجترة.

-         الأنظمة البيئية للأراضي الرطبة.

-         النشاطات البركانية

-         انصهار قمم الجليد.

هكذا نكون قد استعرضنا بعجالة الممارسات السلبية التي تؤدي إلى تناقص أو انقراض بعض الأنواع النباتية أو الحيوانية ورصد الاختلالات التي تنتج عنها.

ولعل أهم ما ينتج عن هذه السلوكيات والممارسات التي تعد عدوة لدودة للبيئة هي ظاهرة التصحر الناتجة عن الاحتباس الحراري، وكل مشكلة أخرى يمكن أن تظهر تبعا لذلك سواء انقراض أنواع النبات أو فصائل الحيوان أو الفيضان وذوبان الثلوج أو الأمراض الصدرية والتنفسية فهي ناتجة عن الاحتباس الحراري الذي حدث ويحدث بمسببات معظمها ممارسات بشرية سلبية والقليل منها لأسباب طبيعية مثل الحيوانات المجترة، والنشاطات البركانية وغيرها مما تم ذكرها في هذه المقالة.

فالاحتباس الحراري ظاهرة بيئية تنذر بالجفاف والتصحر، وقلة المطر وارتفاع درجات الحرارة.

يعرف موقع ويكيبيديا الاحتباس الحراري أنه ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم مع زيادة في كمية ثاني اكسيد الكربون وغاز الميثان وبعض الغازات الاخرى. تتسبب هذه الغازات بزيادة دفء درجة حرارة الأرض.

وتبعا لهذا التعريف لما يسمى بالاحتباس الحراري، فإن جهود التوعية يجب أن تنصب في صالح حماية البيئة والمحافظة عليها، فالمحافظة على البيئة الطبيعية يعني فعليا المحافظة على حياة الإنسان. 

فالصحة تتأتى من الهواء النظيف، والطعام الصحي غير الملوث، والتنوع الحيوي في الطبيعة، وكميات كافية من الأمطار ولن تتوفر هذه العناصر الا من خلال تكاتف الجهود المدنية من أجل إيقاف الممارسات السلبية التي تعجل من زيادة المساحات الأرضية المعرضة لظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي كافة المشكلات الناجمة عن هذه الظاهرة.

ولعل برامج التوعية البيئية الموجهة لعنصر الشباب تساهم فعليا في الحد من المخاطر البيئية وتقلل مستقبلا من الممارسات السلبية التي يوجهها السكان نحو البيئة دون شعور بالذنب.

وتتكلف البلديات بالاهتمام بإعادة زراعة الاراضي بشكل دوري، حفاظا على التربة من الانجراف، ولضمان قدوم الأمطار، ومنع ارتفاع درجات الحرارة بسبب اعدام الكثافة الشجرية، وتشكيل فرق من المتطوعين من أجل المحافظة على نظافة البيئة من خلال التشبيك مع المدراس والجامعات والنوادي والجمعيات التطوعية.

وما يجب توجيهه لقطاع الصناعة ومصانع الاسمنت وصناعة الفحم، يجب أن تتجاوز الاشتراطات الصحية عند البدء في مشاريعهم، بل من المهم أن يكون لزاما على هذه القطاعات أن تدعم مشاريع بيئية أخرى لتساهم بدورها في الحد من المشكلات الناجمة عن الاحتباس الحراري، وأن يتجنب المستثمرون في هذه الصناعات إقامة مشاريعهم قريبا من المدن، بل يجب أن تكون الصحراء هي مكان العمل والإنتاج لتقليل تأثير العوادم الناتجة عن الاحتراق.

ولا يقتصر الدور على من تم ذكرهم في حماية البيئة من الممارسات السلبية التي تزيد الأوضاع البيئية تدهورا، بل يتخطى الدور أولئك المذكورين ليصل إلى المشرعين وواضعي القوانين ليشددوا بدورهم على المخالفات البيئية، ويسنوا من الأنظمة والقوانين ما يشكل رادعا للمخالفين عند تطبيقها تطبيقا حقيقيا، موقعين المخالفات بحق من يخالف دون اعتبار لدور الواسطة في الإعفاء من غرامة الجرم، وجاعلين من خدمة البيئة لساعات يقررها المسؤولون إضافة للغرامات المالية كل حسب التجاوز الذي أقدم عليه.

وما يتعلق بعوادم السيارات فقد آن الأوان كي تتخذ الحكومات قرارًا بعدم استخدام المركبات العاملة على وقود الديزل من أجل توقف إصدار المزيد من عوادم السيارات لما لها من تأثير خطير على البيئة وزيادة كمية الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وتهديد مباشر لحياة الإنسان من خلال الأمراض التنفسية. ويكون القرار تدريجيا من خلال وقف ترخيص المركبات الأكثر قدما، مع منح مالكيها التسهيلات اللازمة لامتلاك غيرها من المركبات الصديقة للبيئة والتي تعمل على الطاقة النظيفة والتي لا تنفث الدخان أو العوادم في الجو أثناء الانطلاق في الشوارع.

ولا يقل دور واضعي المناهج الدراسية عن دور الساسة في هذا الشأن، إذا ان العلم في الصغر كالنقش في الحجر. عندما يتعلم الطالب منذ نعومة أظفاره طرق حماية البيئة والمحافظة عليها، وعندما يكتسب المعلومة من خلال المعلم، ثم يمارس دور حماية البيئة في المدرسة فهي سوف تبقى في ذهنه للأبد.  وسوف يطبق ما تعلمه ثم جربه في فناء مدرسته على البيئة من حوله لاحقا. وبذلك يستطيع هذا التلميذ الصغير صنع التغيير عندما يجلس مستقبلا في كرسي الساسة والمشرعين ومطبقي الانظمة والصانعين أيضا، بل سوف يمارس الدور الإيجابي الصديق للبيئة حتى عندما يكون متنزها.

إنَّ تكاتف الجهود الوطنية من خلال صنع الأنظمة والقوانين والعمل بها، وتنويع برامج التوعية وتطبيقها، وإدخال علم البيئة بشقيه النظري والعملي  للصفوف المدرسية الأولى، وتحويل بعض عقوبات المخالفات مثل مخالفات السير، ومخالفات النظام البيئي المعمول به إلى ساعات خدمة بيئة، وتنفيذ المصانع الأشد تأثيرا على  صحة البيئة برامج ومشاريع بيئية تصلح  وتعوض الأثر السلبي الذي تتسبب به،  ذلك جميعه يقلل من الممارسات السلبية البشرية التي تعتبر تعدِّيا واضحا وكبيرا وشديد الأثر على الأرض التي وهبنا اياها الله تعالى من أجل العيش الكريم موفرًا فيها كافة المصادر الطبيعية لضمان الحياة للبشر. فهل ستعود يومًا الأرض غنَّاء كما كانت في بداية الخليقة؟

المراجع:

-         ويكبيديا- موقع الكتروني.

-         موضوع – موقع الكتروني.

-         موقع المديرية العامة للدفاع المدني.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الممارسات السلبية التي تؤدي إلى تناقص أو انقراض بعض الأنواع النباتية أو الحيوانية

  بقلم: منيرة صالح يعاني الأردن مع مرور الزمن من مشكلة زحف التصحر، وبالتالي انقراض أنواع مهمة من السلالات النباتية وفصائل الحيوان المختلفة...