بقلم: اسلام عدنان حامد جابر
الأرض هي المكان الذي خلقه الله تعالى في الكون
المبدعْ، وجعله مناسباً لحياة البشر بين جميع الكواكب والمجرات منذ عهد آدم عليه
السلام حتى يشاء الله تعالى. وقد جعل سبحانه وتعالى الأرض مكاناً لاختبار البشر في
الحياة الدنيا، وممراً لهم إلى الحياة الأخرى، وأمر البشر بإعمار الأرض وعبادته وميز
الإنسان عن المخلوقات بالعقل للمسير في مركب الأرض، وقد هيأ الله الأرض لتناسب
حياة المخلوقات ومنهم البشر، وجعل الأرض مختلفة عن باقي الكواكب بوجود مظاهر
الحياة التي لا توجد في كوكب غير الأرض مثل الماء وهو أساس حياة البشر، والحيوانات،
والنباتات، وجعل معالمها وتضاريسها تناسب حياتهم.
وعندما أنزل
الله آدم عليه السلام ومن بعده بنيه أمرهم بعبادته، وإعمار الأرض واعتبر سبحانه
وتعالى أنَّ الإعمار من العبادة ، وأن الإعمار عبادة عظيمة والدلالة على أهميتها
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (سورة البقرة: 30 صدق الله العظيم)، وإعمار
الأرض وبناؤها مرهون بصلاح البشر وفسادهم ، فصلاح البشر يؤدي إلى إعمار الأرض وبقاء
ذرية بني آدم إلى أن يشاء الله وفسادهم
يعني فساد الأرض وانقراض الحياة عليها.
خلق الله تعالى الطبيعة بكافة مصادرها إن كانت جماداً،
او حيواناً، أو نباتاً لتناسب حياة
الإنسان فهي الأساس في حياته، وبدأ الإنسان في الاستفادة من الطبيعة منذ وجوده. كانت
الاستفادة حسب قدرة الإنسان على معرفة الطبيعة، فبدأ باستخدام الحجر، وعرف النار، والحيوانات
في العصر الحجري، ثم انتقل إلى السهول ليتعرف على الزراعة وأنواع النباتات التي يقوم بزرعها لتكون له
مصدر غذائيا مع المصدر الحيواني، وقد استخدم الحيوانات في حصاد الأرض والتنقل، ثم عرف بعد ذلك المعادن بعد الحجر واستخدمها في صنع
الأدوات المنزلية، والحربية، والعمل، وبناء البيوت.
وأدى تعرف الإنسان إلى الطبيعة واستخدام عقله إلى
تطوره عبر العصور من انتقال الإنسان من الجبال إلى السهول، ومن العيش في الكهوف
إلى بناء البيوت بشتى أنواعها، وقد تطورت حياة الإنسان وفي أشكال مختلفة علمية،
وصناعية، و زراعية ما أدى إلى التطور في استخدام الطبيعة وبقي استخدام الإنسان
للمصادر الطبيعية عادياً ومناسباً طوال العصور القديمة حتى منتصف القرن الثامن عشر
الميلادي، فلم يخرج عن المألوف مما يؤدي إلى نفاذ ما في الطبيعة او انقراض
المخلوقات.
ومع أواسط القرن الثامن عشر الميلادي أصبح هناك
تحولات في استخدام الطبيعة عند الإنسان، وخاصة بعد ظهور الثورة الصناعية 1760م
وعلى أثرها تطورت حياة الإنسان من صناعة باليد إلى الصناعة بالآلات، وتطورت وسائل
النقل ليبدأ الإنسان في استنزاف الثروات والمخلوقات، ليحدث اختلاف في حياته وحياة
كافة المخلوقات، فقد بدأ ذلك باستخراج المعادن بكميات كبيرة ما أدى إلى نفاذ بعضها
واستخدام بعضها في الصناعة مثل الوقود الاحفوري الذي شكل السبب الرئيسي في التلوث المائي
ليتلوث جزء من مصادر المياه العذبة نتيجة تصريف بقايا مخلفات المصانع، ما أدى إلى
ظهور عدد من الأمراض التي قتلت عددا من المخلوقات، وارتفاع درجات حرارة الأرض التي
أدت إلى اختلال
النظام البيئي.
وقد ارتفعت درجة حرارة الأرض 5 درجات عن القرن
الماضي بسبب تزايد نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجوّ ما أدى إلى ثقب الأوزون الذي
أثر على الحياة البرية للحيوانات والنباتات والإنسان وتسبب في ظواهر مدمرة لحياة
المخلوقات مثل ظاهرة النينو وهي ارتفاع درجة حرارة الماء ما يؤدي إلى قتل الحيوانات
البحرية وانتقالها إلى مكان آخر، وموت النباتات وتصحر السواحل، والأعاصير في أماكن
المحيطات، والزلازل المدمرة مثل زلازل تسونامي عام2004م الذي قتل 300000 شخصا.
وأما أهم
الظواهر وأشهرها فهي حرائق الغابات المتكررة في جميع انحاء العالم، ومنها حرائق
الغابات في شرق ووسط أستراليا عام 2019 م حيث قدرت خسائرها بموت أكثر من مليار
حيوان وأعداد هائلة من النباتات، وقدر في آخر إحصائية أن أعداد الحيوانات المهددة
بالانقراض تصل 8300 حيوان، و7200 من النباتات.
ومن آثار
ثقب الأوزون أيضا ذوبان الجليد في الأقطاب ما أدى إلى زيادة نسبة الماء في البحار
والمحيطات، وهذا يؤثر على مساحة اليابسة على الأرض، ومن الممارسات الأخرى للإنسان
بعد الثورة الصناعية زيادة استخدام النباتات في الصناعة والقيام على قطع غابات
بأكملها ما أدى إلى التصحر في مناطق طبيعية عدة، ومنها عدد من الغابات في بلاد
الشام حيث ذكرت دراسة علمية أنَّ تصحر منطقة حوض نهر الزرقاء التي كانت تتواجد
فيها عدد من الغابات التي تصحرت نتيجة استخدامها ونقص كمية المياه في نهر الزرقاء.
وأما ظاهرة
الزحف العمراني على الأراضي الزراعية في الأردن، فقد حولت منطقة سهول حوران إلى
مناطق سكنية رغم تمتعها بخصوبة عالية في التربة، وتعد من أفضل المناطق المناسبة للزراعة
في بلاد الشام.
لقد ذكرت عددا من المشكلات التي يعاني منها كوكب
الأرض، وهذه المشكلات تهدد عالم الحيوان
وعالم النبات، ما يعني أنه تهديد لحياة البشرية جمعاء؛ لذلك يجب على الإنسان
معالجة هذه المشاكل أو التقليل من التلوث باستبدال الصناعات بمواد بديلة أفضل لحياة المخلوقات وحياة عالم الحيوان والنبات، والقيام
ببناء محميات ومراعي مخصصة للحيوانات وزيادة نسبة الأراضي المزروعة، وهذا أقل ما
يجب عمله، وهذا الأمر عبادة يحض عليها ديننا الحنيف وهو إعمار للأرض بطريقة صحيحة تؤدي
إلى استمرار حياة الإنسان؛ فاذا بقينا على نفس النهج سيزول البشر، وتدمر
الأرض التي جعلها سبحانه وتعالى تحت طوع
الإنسان الذي أملكه العقل الذي يبني به جبالاً من العلم أو يهدمه لاستخدامه بطريقة
خاطئة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق